اول من أطلق كلمة “الشهابية” كان الصحافي والوزير اللبناني الأسبق جورج نقاش، في محاضرة له شهيرة في الندوة اللبنانية في تشرين الثاني 1960، بعنوان: “أسلوب جديد – الشهابية” . عندما أصبح هذا التعبير مألوفاً لدى الإعلام في الإشارة إلى حكم الرئيس شهاب، قلل الرئيس من إعطاء أية سِمة فلسفية أو إيديولوجية لهذه التسمية، وأعلن ببساطة، أن “الشهابية” أو”النهج الشهابي” ليس سوى أسلوب حكم يهدف إلى خدمة اللبنانيين أفضل خدمة مع المراعاة الدائمة لخصائص وإحتياجات المكونات اللبنانية كافة. آمن شهاب أن إجراء الإصلاحات الإدارية الملائمة وتنفيذ المشاريع الإنمائية الطويلة الأجل على كامل مساحة البلاد، انما يعزِّز الدولة وبالتالي يوفِّر أفضل ضمانة لمستقبل أكثر إزدهاراً وإستقراراً للوطن.بغية تنفيذ هذه المشاريع بنجاح، كانت خطة شهاب ترتكز على التحرك بحذر إنما بثبات، إذ أيقن بفعل خبرته القيادية كقائد للجيش من عام 1946 لغاية عام 1958 أن أية خطوة غير مدروسة ضمن الإطار الطائفي الحساس الذي يشكله لبنان، قد ترتد سلباً على المدى الطويل. لذا، إرتكزت مبادراته على تخطيط دقيق، وتجنّب القرارات المتسرِّعة. رَغِب أن تتطور ذهنية الشعب بقناعة بموازاة التغيرات على المستوى المؤسساتي. بإستعارته صورة لبول فاليري، شبَّه جورج نقاش هذه المهمة بعملية لف السجائر (حسب الطريقة القديمة)، التي تقوم على التقدم خطوتين إلى الأمام ثم العودة خطوة إلى الوراء لإعادة لف السيجارة، إلى أن تنجح عملية اللف بثبات في نهاية المطاف.
فالشهابية إذاً هي المقاربة الخاصة للحكم الذي إعتمدها فؤاد شهاب، والإصلاحات العامة المرتبطة بها. وقد تم أيضاً التعريف عنها بعبارة “النهج”.
لم يسعَ فؤاد شهاب إلى السلطة في أي وقت ؛ لا بل هو رفض منصب رئاسة الجمهورية في أكثر من مرة: ففي العام 1952، حين عيّن رئيسا للوزراء للإشراف على الانتخابات الرئاسية، عمل على تسهيل إنتخاب الرئيس كميل شمعون خلال اربعة ايام؛ وفي العام 1958 رفض المنصب في بادىء الأمر، قبل أن تدفعه الحالة السياسية الطارئة التي كانت تمر بها البلاد لقبول المهمة؛ وفي العام 1960، حين قدم إستقالته بكل قناعة؛ وفي العام 1964 حين رفض ان يعدّل الدستور ليتسنى له الترشح لولاية جديدة؛ وأيضاً في العام 1970، حين شرح ببيانه الشهير والمُلفِت أسباب عدم ترشحه للمنصب.
عند تبوئه سدة الرئاسة نتيجة أزمة 1958، كانت مهمة الرئيس المنتخب واضحة: إيقاف العنف، نزع فتيل التوتر، إنسحاب القوات الأجنبية من لبنان، وإعادة التوافق في البلاد. بعد إنجازه هذه المهمة بنجاح، بدأت صورة المهمة التالية تتبلور: إجراء إصلاحات من شأنها تعزيز مؤسسات الدولة وجعلها مرجعاً حقيقياً ووحيداً لجميع المواطنين، وبالتالي قيام “دولة الإستقلال” الحقيقية كما كان يحلو له تسميتها. ففي قناعته أن مؤسسات الدولة والعدالة الإجتماعية هي التي تحرر المواطن تدريجياً من التبعية الإقطاعية والطائفية، وتشدّ روابط الوحدة الوطنية وتشكِّل حصانة قوية تجاه أية أزمة مستقبلية محتملة.ورأى الفكر الشهابي أن على إصلاحات الدولة أن تترافق بتنمية إقتصادية وإجتماعية تشمل كافة المناطق وخاصة الأرياف، وأن العدالة الاجتماعية الحقيقية تعني أن تطال التنمية كل أجزاء البلاد – خاصة أكثر المناطق حرماناً- بكافة مكوناتها الإجتماعية.
كانت هذه الإستراتيجية الطويلة الأمد هدف وغاية حكم الرئيس شهاب. لم تكن الألاعيب السياسية، والسعي للوصول إلى السلطة والصراعات العائدة لمصالح فردية أو فئوية، دينامكية يمارسها أو يسعى اليها. لا بل كان يرى في هذه الممارسات إنحرافاً وملهاة عن الهدف الرئيسي الأسمى.
جاءت النتائج النهائية للولاية الرئاسية ناجحة للغاية: فبعد ان تسلُّم الرئيس شهاب وطناً على شفير الإنهيار في العام 1958، سلّم خلفه بعد ست سنوات، وطناً مستقراً. نجح في إخماد التوترات الطائفية، وفي إعادة توحيد جميع اللبنانين وفي تثبيت الأُسس لمستقبل واعد بالإستقرار والإزدهار الاقتصادي يستند على إصلاحات إدارية أساسية ومهمة ومشاريع تنموية متطورة تسير بزخم.
إرتبطت الشهابية إرتباطاً وثيقاً بإسم فؤاد شهاب وبميزات شخصيته. لم يكن الرئيس شهاب بطبيعته رجل سياسة، ولم تكن لديه الرغبة بأن يكون كذلك. كان قبل كل شيء إنساناً يتمتّع بقيم ومبادئ سامية، يعيشها ويُطبِّقها بكل إخلاص. تتلّمذ كضابط في المؤسسة العسكرية الفرنسية العريقة، مدرسة الإنضباط والنبل والأخلاق والإحتراف، فآمن بهذه المثالية وسعى لممارستها دوماً. تأثّر بمبادئ وقيم وثقافة الجمهورية الفرنسية الديمقراطية، وإعتنقها باقتناع عميق، كما أعجب بالحركة الوطنية الفرنسية للجنرال ديغول.من موقعه كقائد ومؤسس للجيش اللبناني، حاز على إحترام كبير من الجميع داخل هذه المؤسسة، ليس فقط بسبب صرامته في فرض الانضباط والتطبيق الأمثل للقوانين، لكن أيضا للتفهم الإنساني والرعاية الحقيقية التي كان يبديهما تجاه مرؤوسيه الذين وجدوا فيه الصفات الأبوية.
كمسيحي، كان مؤمناً ملتزماً وإنسانياً يشعر مع الآخر. طبَّق مبادئه الدينية وقيَمه الأخلاقية في حياته الشخصية وفي كل تصرفاته. إبتعدً عن إغراءات العالم المادية، وأتمّ واجباته ومسؤولياته مترفعاً عن المصالح الشخصية. عاش حياة قناعة، يقتطع بصورة منتظمة جزءاً من راتبه البسيط (30%) ليساعد سراً أشخاصاً مُعوزين ومؤسسات خيرية. جعلته عقيدته المسيحية الناضجة يحترم كل الديانات الأخرى بالتساوي ويحافظ على موقف إيجابي من الحوار بين الأديان.
كان رجلاً متواضعاً ومتَّزِناً، طيباً وإنسانياً. كان أسلوب حياته اليومي بسيطاً للغاية، وقد أكسبه هذا التقشف لقب “الناسك” و “المنعزل عن الحياة الإجتماعية”. كانت زوجته أفضل صديق له وكاتمة أسراره، تشاطره نفس المعتقدات والقيَم الفلسفية. كانا يتشاركان عدم الرغبة في حياة إجتماعية، كما كانا يتشاركان هواية قراءة الكتب السياسية، والتاريخية، والروحية ومناقشتها (كانت الكتب هي الهدايا الوحيدة التي يقبلها ويقدّرها).
كمحاور، كان فؤاد شهاب مستمعاً إستثنائياً. كان لطيفاً جداً، مشبعاً بالآداب واللياقة. يتكلم بهدوء وبوضوح. كانت كلماته وأفكاره متزنة، غير تسلطية أو عدوانية، بل تهدف الى الإقناع. أوحى صدقه الشفاف الثقة والاحترام لدى محدّثيه (وقد كان ذلك، كما ردد كل من عرِفَه، عاملاً حاسماً في كسب ثقة الرئيس المصري عبد الناصر خلال القمة المِحورية في إجتماع “الخيمة” عام 1959 على الحدود اللبنانية السورية). كان كتوماً ومتحفظاً في القضايا التي لا تتعلق بالشأن العام. كان يعرُض أفكاره ومشاريع عهده بوضوح في خطابات عيد الاستقلال السنوية الذي يتوجه فيها إلى اللبنانيين.
قبل إتخاذ أي قرار، كان الرئيس شهاب يعطي متسعاً من الوقت لدراسة المواضيع بكل تفاصيلها، ويستشير آراء الخبراء، خاصة في الشؤون التي لم تكن مألوفة لديه. كان واقعياً في تقييمه للأمور وفي خياراته التي غالباً ما كانت تستند إلى حسٍ سليمٍ. كان بعيد النظر في تخطيطه ولديه فهم وإدراك دقيقان للطبيعة البشرية وضعفها؛ ولذلك لم ينسج أية أوهام حول الشعب اللبناني وقدرته على الانتقال من عقلية المصلحة الفردية إلى الإقتناع بوجوب إعطاء الأولوية للمصلحة العامة.
هو رجل الدولة اللبناني الوحيد الذي رفع الشأن الاجتماعي إلى مستوى الشأن السياسي، وعمل بجهد على جميع القضايا الاجتماعية. كان مخلصاً تماماً بإداء عمله، يضحّي بوقته الخاص لدراسة الملفات وعقد إجتماعات العمل التي تنتهي الى نتائج ايجابية، يتابع تنفيذها بحزم حتى تأتي مفاعيلها.
لم يكن يرغب في الإستمتاع بالامتيازات والنفوذ التي تؤمنها السلطة. لم يقم بأية زيارة خارجية خلال فترة ولايته. كان ينظر الى المركز الرئاسي كرسالة، واعتبره واجباً وخدمةً يقدمهما لشعبه. لم يكن يحب الظهور الإعلامي أو إستعمال أي نوع من الدعاية، فإقتصر ظهوره العلني على المناسبات الرسمية السنوية كعيد الاستقلال وحفلة تخريج الضباط والأعياد الدينية لتهنئة رؤساء الطوائف. كان أسلوبه أسلوب العمل الصامت.
عقب انتخابه، قرر الرئيس شهاب عدم الانتقال إلى القصر الرئاسي الذي كان يشغله سلفه في بيروت (قصر القنطاري). عوضاً عن ذلك، اختار إعادة تأهيل فيللا متواضعة في صربا، على بعد خمس دقائق في السيارة من منزله في جونيه. فاستمر بالسكن في منزله، بينما كان “القصر الرئاسي” في صربا “مقر العمل” حيث كان يأتي يومياً من الساعة الثامنة والنصف صباحاً حتى الثالثة بعد الظهر ليقوم بعمله الرسمي ويؤدي الواجبات البروتوكولية الرئاسية.
كان يتناول غداءً متأخراً مع زوجته حين يعود إلى المنزل، ويطَّلع طوال فترة بعد الظهر على البريد الرسمي ومقتطفات الصحف (بما في ذلك الصحف العالمية)، والتقارير المختلفة.
خصص يوم الأربعاء لإجتماعات مجلس الوزراء واللقاءات مع الوزراء؛ ويوم الخميس للاجتماع بالمدراء العامين في الوزارات والخبراء المكلفين بدراسة تنفيذ مشاريع التنمية الإصلاحية المختلفة التي كانت تحظى بمتابعة ومناقشات واسعة؛ و كان يوم الجمعة مخصصاً لإستقبال الدبلوماسيين.
خلال فصل الصيف كان ينتقل مع زوجته إلى منزل إستأجره في بلدة عجلتون، منه يتابع جدول أعماله اليومي المعتاد بما فيه إجتماعات فترة بعد الظهر، وينزل إلى صربا مرة أو مرتين في الأسبوع لضرورات بروتوكولية.
إضافةَ الى ذلك، وبإستناده على تجارب الدول الأوروبية في حينه، أدخل التخطيط الحكيم والطويل الأمد إلى التنمية، مرتكزاً على دراسات مفصّلة قدمها خبراء عالميون في بعثة “إيرفد” “IRFED” برئاسة الأب لوبريه، مؤسس نظرية الإنماء المتكامل التي كان قد بدء تطبيقها في انحاء مختلفة من العالم. نتج عن ذلك مزيد من الاستقرار، وتخفيف من سيطرة الإحتكارات، ونهضة اقتصادية ملفتة استفادت منها جميع القطاعات الإنتاجية في المجتمع اللبناني.
الحد من التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية
بهدف كبح الإتجاه الجامح الموروث لدى البعض من السياسيين اللبنانيين بإنشاء وتعزيز علاقات فردية مميزة مع بعض القوى الأجنبية، وكحاجة ضرورية تلت محاولة إنقلابية قام بها في العام 1961 الحزب القومي السوري، عزّز الرئيس شهاب أجهزة الاستخبارات في البلاد (ما عرف لاحقاً بالمكتب الثاني). ونجحت هذه الأجهزة في الحد من التدخلات الأجنبية وفي إحكام سيطرة الدولة على الأمن.
بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة للحزب القومي في العام 1961، ظهرت حاجة ملحّة الى تعزيز أجهزة الأمن العسكرية الوطنية لحماية النظام من مخاطر مستقبلية مماثلة ومراقبة التدخلات الإستخباراتية الأجنبية في البلاد. فتمّت إعادة هيكلت جهاز مخابرات الجيش وأعطيت له صلاحيات إضافية؛ وقدعرف هذا الجهاز بإسم “الشعبة الثانية” أو “المكتب الثاني”.
إختار الرئيس شهاب بعناية شخصية الضباط الذين فصلوا إلى هذا الجهاز. بعد مراجعة ملفاتهم، إختار ضباطاً شباناً من أسر متواضعة وغير منحازة سياسياً، يؤمنون بعمق، كسائر ضباط الجيش، بثقافة الإنتماء الوطني والمصلحة العامة التي تُرسِّخها المدرسة الحربية. وقد أمّن هذا الجهاز، بين العام 1961 والعام 1970، فترة مديدة ونادرة من الاستقرار والأمن المستديم سمحت للبلاد بالتمتع بعقد كامل من الرخاء والإزدهار.
في مطلع ولايته الرئاسية وإنسجاماً مع قناعاته الديمقراطية الراسخة، رفض الرئيس شهاب إبرام مشروع قانون لمراقبة مصادر الدخل لدى وسائل الإعلام، رفعه إليه المجلس النيابي. إستغَّل السياسيون المتضررون من الإصلاحات الشهابية والمنزعجون من كشف هذا الجهاز لبعض علاقاتهم الخارجية المشبوهة، قدسيَّة “حرية الصحافة”، فجيَّشوا المؤسسات الإعلامية التابعة لهم للعمل على خلق رأي عام معادٍ للشهابية، يستهدف بشكل أساسي “رجال المكتب الثاني” الذين أتهموا بالسيطرة على الحياة العامة.
إمتدَّت قصة المكتب الثاني الى ما بعد ولاية الرئيس شارل حلو. فبعد أن خسر الياس سركيس الانتخابات الرئاسية في العام 1970، فُتِح المجال للسياسيين التقليديين “للإنتقام” من ضباط المكتب الثاني الشهابي وضباط آخرين مقربين من الرئيس شهاب. أولاً، تمَّت تنحية الضباط من مراكزهم، ومن ثم تعينهم كملحقين عسكريين في بلدان بعيدة. في العام 1972، تم إستدعاؤهم لمحاكمتهم أمام مجلس عسكري تأديبي بتهمة “سوء إستخدام السلطة وسوء السلوك وإختلاس الأموال” قضت بطردهم من الجيش… وفي العام 1973 جرت محاكمتهم أمام المحكمة العسكرية لإصدار احكام قضائية بحقهم. وتجنباً لدخول السجن، طلب رئيس المكتب الثاني العقيد غابي لحود اللجوء السياسي في إسبانيا وقام آخرون بالأمر ذاته لدى سوريا.
إلا انه في أواسط العام 1974، أُعيدت المحاكمة، وتمَّت تبرئة الضباط من جميع التُهم، فأُعيدوا الى الجيش مع إستعادة رتبهم العسكرية وحقوقهم الكاملة.
لكن مما لا شك فيه ان تفكيك هذا الجهاز في حينه قد سمح بتسهيل التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للبلاد دون رادع؛ وسرعان ما نتج عن ذلك بروز الوجود العسكري الفلسطيني في العام 1973 وبداية الحرب الأهلية في العام 1975، مع فقدان سيطرة الدولة على الأوضاع الأمنية والأستخبراتية وتحكّم مختلف القوى الخارجية بمجريات الأمور.
يحظى اليوم العهد الشهابي بتقدير إجماعي من كافة الفئات اللبنانية، خاصةَ تجاه شخص الرئيس شهاب وإنجازات عهده الإصلاحية، وسعيه الصادق لبناء دولة المؤسسات. لكن لا يزال هناك بعض الأراء تنتقد المكتب الثاني الشهابي بإتهامه بالإستئثار بالسلطة في حينه وحتى التأثيرعلى شهاب نفسه… والحقيقة أن اعضاء هذا الجهاز، والذين أنيطت بهم مسؤوليات بالغة الحساسية في تلك الحقبة، عملوا بصدق لخدمة مصالح لبنان الوطنية وغير الطائفية. فوقفوا في وجه كل نفوذ للمخابرات الأجنبية على الأراضي اللبنانية، ورصدوا علاقات وإتصالات الشخصيات السياسية والصحافية مع القوى الخارجية، وسيطروا سيطرة أمنية تامة على كل أراضي الوطن، فأمن ذلك الطمأنينة والسلام لجميع المواطنين.
كان ضباط المكتب الثاني، مثل جميع الضباط في الفريق المقرّب من الرئيس شهاب، أكثر من وثق بهم شهاب لنزاهتهم وكفاءتهم المهنية، مظهراً تجاههم عطفاً أبوياً خاصاً. وقد تأثر الرئيس كثيراً من الإنتقام الظالم الذي تعرضوا له بعد العام 1970، وأبقى تواصلاً شخصياً مع كل واحد منهم حين تم ترحيلهم إلى بلدان بعيدة وكان شديد القلق على مستقبلهم وعلى ظروف عيش عائلاتهم؛ وقد واظبت زوجته على هذا الإهتمام بعد وفاته في العام 1973.
كون الشهابية نهجاً واسلوب حكم، فمن الممكن نظرياً تطبيقها بنجاح بغياب فؤاد شهاب. لكن فترة ما بعد العام 1970، أظهرت أنه بدون وجود فؤاد شهاب (الهالة والاحترام اللذَين فرضتهما مسيرته)، لم تسع الشهابية للعودة إلى السلطة مجدداً.
حين انتخب الياس سركيس رئيساً للجمهورية عام 1976، لم يتم ذلك بعد معركة سياسية أو حركة قام بها تيار او شخصيات شهابية؛ بل بعد توافق وطني حوله كونه وريثاً للنهج الشهابي المعتدل إذ كان لبنان يواجه أوضاعاً مستعصية. لم تتسنى لسركيس الوسائل للقيام بإي مبادرات إصلاحية أو إنقاذية كما فعل شهاب سنة 1958. كل ما إستطاع القيام به في السنوات الست لولايته كان إدارة الأزمة، والتخفيف من الأضرار، وحماية القليل المتبقي من وجود الدولة.
في العام 1989 أيضاً، لدى تبلور إتفاق الطائف لإنهاء الحرب اللبنانية وأثناء البحث عن شخصية وطنية توافقية تنجح في توحيد البلاد، وقع الاختيار على الرئيس رينيه معوض، السياسي الشهابي المخلص والمعتدل. ولكن للأسف، إغتيل معوض قبل أن يبدأ مهمته الواعدة.
في العامين 1998 و 2008، أثناء البحث عن رئيس توافقي مقبول من كافة الفرقاء، وقع الاختيار على قائد الجيش في كلا المرتَين، العماد أميل لحود والعماد ميشال سليمان، تمثلاً بإختيار قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب العام 1958.
يقودنا كل ذلك لنستخلص بأن الشهابية، مع أو بدون وجود فؤاد شهاب، لا تعيش على الخصومة، أوعلى السعي للوصول الى السلطة. يتم الإستنجاد بها في أحلك الأزمات، وتتبوأ السلطة على أساس توافقي وطني أو دولي… تبعاً لذلك لم تعمد الشهابية في أي وقت من الأوقات الى إنشاء حزب يتنافس مع باقي الأحزاب لتولي المراكز والمسؤوليات العامة.
وختاماً، أن الشهابية هي طريقة سليمة وحكيمة للحكم وللتصرف بصورة عامة. يمكن ان يطبّقها أي شخص في موقع المسؤولية، ويستوحي منها عند مقاربته لمسائل تتعلق بالمصالح العامة الجامعة، وخاصة الحساسة منها.